تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين: تداعيات عالمية ومحلية محتملة

تشهد العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية توتراً غير مسبوق بعد أن قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض تعريفات جمركية بنسبة 125% على الواردات الصينية. وردّت بكين بالمثل، مما أثار المخاوف بشأن اندلاع حرب تجارية شاملة قد تهز الاقتصاد العالمي.

حجم التبادل التجاري بين البلدين

في عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري في السلع بين القوتين الاقتصاديتين نحو 585 مليار دولار، حيث استوردت الولايات المتحدة ما قيمته 440 مليار دولار من الصين، بينما بلغت صادراتها إلى بكين 145 مليار دولار فقط. هذا العجز التجاري، والذي يُقدّر بـ 295 مليار دولار، يعكس الفجوة الكبيرة بين الواردات والصادرات، ويُشكّل حوالي 1% من حجم الاقتصاد الأمريكي.

ورغم أن الرئيس ترامب بالغ في تقدير هذا العجز ليصل إلى تريليون دولار في تصريحاته الأخيرة، إلا أن الأرقام الرسمية تبقى بعيدة عن ذلك بكثير.

ما الذي يستورده كل طرف من الآخر؟

تُعد فول الصويا من أبرز صادرات الولايات المتحدة إلى الصين، حيث يُستخدم بشكل أساسي في تغذية الخنازير، إضافة إلى الأدوية والمنتجات البترولية. أما الصين، فتُصدر إلى السوق الأمريكية كميات ضخمة من الإلكترونيات، وأجهزة الكمبيوتر، والألعاب، والبطاريات، لاسيما بطاريات السيارات الكهربائية.

وتحتل الهواتف الذكية المرتبة الأولى في واردات الولايات المتحدة من الصين، بنسبة تصل إلى 9% من إجمالي تلك الواردات، وغالبية هذه الهواتف تُنتجها شركة آبل الأمريكية في مصانع صينية.

العواقب الاقتصادية للتصعيد

مع ارتفاع التعريفات الجمركية إلى 125%، بل وحتى 145% لبعض المنتجات، فإن الأسعار في الأسواق الأمريكية مرشحة للارتفاع بشكل كبير، ما سيؤثر سلباً على المستهلكين. كما أن الرد الصيني بتطبيق تعريفات مماثلة على الواردات الأمريكية سيؤدي بدوره إلى زيادة الأسعار في السوق الصينية.

تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت قد بدأت بالفعل منذ سنوات في تقليص اعتمادها على الواردات الصينية، حيث انخفضت نسبة الواردات الصينية من إجمالي واردات أمريكا من 21% في 2016 إلى 13% في 2023.

إلا أن تقارير أمريكية تؤكد أن بعض الشركات الصينية قامت بإعادة توجيه صادراتها إلى الولايات المتحدة عبر دول جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وتايلاند وكمبوديا، لتفادي الرسوم الجمركية، وهو ما قد يدفع واشنطن إلى فرض قيود جديدة على تلك الدول أيضاً.

التأثيرات العالمية

وفقًا لصندوق النقد الدولي، تُشكل الولايات المتحدة والصين معًا ما نسبته 43% من الاقتصاد العالمي. وإذا استمرت الحرب التجارية بينهما، فإن النمو الاقتصادي العالمي سيتباطأ بشكل حاد، وقد تدخل بعض الاقتصادات في حالة ركود.

الاستثمار العالمي قد يتراجع أيضاً نتيجة لتزايد حالة عدم اليقين. كما أن الصين، باعتبارها أكبر دولة صناعية في العالم، قد تُغرق الأسواق بمنتجات مدعومة بأقل من تكلفتها الحقيقية، مثل الفولاذ، ما يُهدد الصناعات المحلية في دول مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى في إفريقيا.

الدروس المستفادة والفرص لبلدان مثل غينيا

رغم أن هذه الحرب التجارية تبدو بعيدة جغرافياً، إلا أن تأثيراتها قد تطال دولاً نامية مثل غينيا. ففي حال توجهت الصين لتعويض خسائرها في الأسواق الأمريكية عبر إفريقيا، فقد تشهد غينيا زيادة في تدفق السلع الصينية الرخيصة، ما يُشكل فرصة للمستهلكين لكنه في الوقت نفسه يُهدد الصناعات المحلية الناشئة.

من جهة أخرى، قد تسعى الولايات المتحدة لتوسيع تحالفاتها التجارية مع دول جديدة لتقليل اعتمادها على الصين، ما يفتح آفاقاً أمام الدول الإفريقية للاستفادة من شراكات اقتصادية جديدة واستقطاب استثمارات أمريكية.

الخلاصة

إن تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة يُنذر بتداعيات اقتصادية واسعة النطاق. وبينما يسعى كل طرف إلى حماية مصالحه، فإن الخاسر الأكبر قد يكون الاقتصاد العالمي بأسره، وخصوصاً الدول النامية التي تُواجه أصلاً تحديات في تحقيق النمو والاستقرار. من المهم لغينيا وبقية دول إفريقيا أن تراقب الوضع عن كثب وتُعيد تقييم استراتيجياتها الاقتصادية تحسباً للفرص والمخاطر القادمة.

تصنيف الخبر

عالمية ، اقتصادية